]بدأت مشكلة مياه النيل تتصاعد علي مدي عدة سنوات ، وحاولت مصر أن لا تبرزها كقضية خطيرة بتجاهلها إعلاميا ـ الي حد ما ـ من
ناحية ، ومحاولة إخماد لهيبها قدر الإمكان من ناحية أخري ، وذلك حتي لا
يصل الاعداء لمرادهم وحتي لا ينجرف الاصدقاء ( دول منابع ومجري النيل )
وراء الفتن التي تثار لآغراض سياسية 0[
]إلا
أن هذا الإسلوب لم ينفع ، وبدأت المشكلة تتفاقم الي الحد الذي لم يستقم
معه السكوت أو التعتيم عليه 0 ولكن إثارته مع الدول المعنية يجب ان يتم
دوما بشئ بل بكثير من العقلانية والهدوء ، وأول ما يجب أن يؤخذ في الحسبان
عند تناول المشكلة هو مصلحة الجميع دون تمييز وبشكل تعاوني يرضي جميع
الاطراف ، وعلي ان يتم ارساء مبدأ أن لاسبيل إلا للتفاوض مهما كبرت
المشكلة ، بل ويجب علي مصر تخصيص دول منابع ومجري النيل بالتعاون علي
مختلف الأصعدة ، هادفة مصلحة هذه الدول في المجالات المختلفة
]ومن خلال خبرات وامكانيات مصر الفنية ، لخلق مصداقيتنا لدي هذه الدول عند طرح الحلول 0
كما
يجب التأكيد أنه عندما تكون مصر مثقلة بمشاكل عديدة علي مستوي المنطقة ،
فيجب أن تكون الأولوية للمشاكل الداخلية (خاصة عندما تكون مصيرية) ـ فكما
يجب علي الانسان ان يهتم بصحته من خلال الغذاء والماء والهواء أي الاهتمام
بذاته أولا ، حتي يتمكن من مساعدة ونصرة غيره ، فليس من العقل أو المنطق
أن يساعد غيره علي حساب صحته ـ هكذا الأمر عند
تناول مشكلة المياه علي مستوي مصر ، فإنها مشكلة لها أولوية ذاتية عن
قضايا أخري حتي ولو كانت هذه القضايا هي
قضية فلسطين او قضية العراق أو غيرها من القضايا المماثلة 0لا نقول التخلي عن قضايانا القومية والعربية ولكن يجب ترتيب الأولويات والإهتمامات
وعند تناول المشكلة ، يجب أن لا نطالب دول منابع النيل بأن
تضع حبل جمايلنا الماضية والتاريخية حول رقابها حتي لا نثير الكراهية
تجاهنا ، بل يجب ان نولد لديهم الشعور بل التأكد من ان مصر هكذا دائما تقف
مع دول إفريقيا عامة ومنها دول منابع ومجري النيل خاصة لمصلحتهم الي جانب
مصلحة مصر ، وأن المصالح والآماني المستقبلية تنصب في المصلحة المشتركة 0
إذن
يجب علي مصر أولا التوجه نحو توطيد العلاقات والتعاون مع هذه الدول علي
جميع الأصعدة مع تجنيب مشكلة توزيع المياه في هذا التوجه ، ثم من خلال
العلاقات الوطيدة والتعاون البناء يتم ارساء مبدأ أن التفاوض هو السبيل
الوحيد لحل مشكلة توزيع المياه في إطار من صالح الجميع
لا
نريد ان يطل علينا البعض مطالبا بأن نعادي هذه الدول او بعض منها عند
إثارتها لهذه المشكلة ، أو المناداة بعدم التفريط في نصيب مصر من المياه
ولو أدي ذلك الي محاربة هذه الدول ـ لا نريد ذلك ، لان الكل سيخسر والمكسب
فقط للأعداء
فالدول
الغربية خاصة الولايات المتحدة الامريكية منُع عنها البترول في اعقاب حرب
73 ، وهو شئ أساسي للحياة عندهم كما هي المياه في مشكلتنا المطروحة ، ولكن
خططوا لمواجهة ذلك سياسيا من خلال مقدرة ، واقتصاديا وايضا من خلال مقدرة
ونادرا ما كانت المواجهة حربيا علي الرغم من المقدرة ايضا علي ذلك وتفوق
ميزانها العسكري بما لا يدع مجال للمخاطرة من قبل أي دولة لمحاربتهم في
الوقت الذي يمكن معه تجنبه
ويجب
أن تكون توجهات القادة السياسية بمصر ان تتجه كافة القطاعات نحو دول منابع
ومجري النيل بمشاريع تنموية تخدم الصالح المشترك وتعمل علي توطيد اواصر
التعاون بين مصر وهذه الدول ، وتنشيط العمل بالسفارات سواء كان سياسيا او
اقتصاديا او عسكريا او رياضيا او ثقافيا او اعلاميا 0000
مع
التحذير من أي انفعالات غير عقلانية او مدروسة عند تناول هذه المشكلة ،
وادراك ان المستفيد الوحيد من اثارة المشاكل او القلاقل في هذا الأمر ماهو
الا لمصلحة الاعداء وكل الخسارة لشعوب هذه الدول 0
وما
يبعث فينا الأمل والتفاؤل في هذا الأمر بل ونتأكد من تحقيقه هو كون
القيادة السياسية على وعى كامل بأبعاد القضية برمتها... وهذا هو ما يفسر
جزء من التواجد المصرى فى المؤتمر الأخير للاتحاد الأفريقى فى "سرت