المطابخ السياسية... وقبة البرلمان
27/03/2008
عدنان الصالحي
تشكل أول برلمان عراقي بعد إتمام الدستور الملكي في
العراق عام 1953 وعقدت أول انتخابات نيابية في 17 كانون الثاني من العام
نفسه، ونتيجة الفوضى والجدل الناتج من القرار المثير للجدل بانضمام العراق
إلى حلف بغداد، قام رئيس الوزراء آنذاك نوري السعيد بحل هذا البرلمان،
نظمت بعدها انتخابات برلمانية ثانية عام 1954 ولكنها كانت زائفة في نظر
المراقبين السياسيين حيث منع نوري السعيد خصومه السياسيين من الاشتراك، حل
هذا البرلمان عند قيام انقلاب عبد الكريم قاسم عام 1958 الذي أطاح
بالملكية في العراق.
في عهد النظام السابق
نظمت انتخابات لتشكيل البرلمان العراقي الذي سمي بالمجلس الوطني عام 1980
غير أن كل أعضائه كانوا من حزب واحد وهو حزب البعث ويجمع المؤرخون أن ذلك
البرلمان كان صوريا ولم تكن له القدرة على اتخاذ قرارات مهمة.
أما
في التشكيلة الجديدة للبرلمان العراقي بصورة عامة فهي تكاد تكون مختلفة عن
المراحل السابقة لأسباب عدة، ولعل تغيير المناخ السياسي وتبدد غيوم
الدكتاتورية قد اظهر الكثير من الثقافات والترجمات لتعابير طالما قرأت في
قواميس تواريخ شعوب أخرى، ولم نعشها نحن في السابق. ولعل من أهم تلك
المفردات التي رافقت تجربتنا الفتية هي (غرف المطابخ) والتي طالما كان لها
الفضل في حل الكثير من المسائل بعد أن عجزت قبة البرلمان عن حلها وذهبت
لتدخل (قدور) الطهي السياسي وتخرج بعده لتمرر بسهولة ويسر في القبة
الفضية، هذه القدور ظاهر الحال تبدو إنها معدة للأمور التي لا تستطيع
الجلسات الاعتيادية أو المستمرة للبرلمان من فضها أو حسم النزاع فيها.
ولنأخذ
في واقع الحال الآن ما دار من التفاهمات والتشاور في قضيتين مهمتين
لمستقبل البلاد وهي الميزانية العامة للعام الجديد وقانون مجالس
المحافظات، فبعد نقاشات مطولة امتدت الى السبع أو الثمان شهور جاءت تلك
القوانين لتعرض على الساحة البرلمانية ولكن كانت النتيجة اختلاف حاد ومثير
حول كل فقرة تقريبا في كل قانون، وكأنما من صاغ تلك البنود والمحاور كان
في واد والأعضاء والكتل البرلمانية في واد آخر.
القوانين في
أعلاه هي مثال بسيط على سلسلة طويلة من الرحلات المارثونية في سباق إقرار
القوانين المهمة، والتي أخذت من وقت البرلمان أضعاف مضاعفة وانعكست
بعلامات واضحة على أداء الحكومة العراقية في التأخر مسافات كبيرة في جميع
الجوانب الخدمية والأمنية والسياسية، وهي بلا شك ستكون علامة فارقة في
مسيرة التجربة الفتية في العراق، وبالنسبة لنا فإننا لا نستبعد أن تؤدي
إحدى تلك الرحلات السباقية الى إسقاط الحكومة فيما لو لم يكن صانع القرار
في لحظة من اللحظات ذا لب رشيد أو فاقد لأعصابه نتيجة الضغط المتزايد
لكمية القرارات المؤجلة والتي يراد صنعها خلف الكواليس.
وبالعودة
إلى ما أشرنا إليه فالتجربة هي خير برهان على انجاز المشاريع والقوانين
المهمة في خارج القبة البرلمانية لتأتي( بزفة عرس) حسب ما يعبر البغداديون
لغرض إقرارها في (ورشة) البرلمان، قد تكون الظاهرة ناتجة من حالة التقليد
الكبيرة التي طغت على معظم أجزاء الدولة بعد 2003 والتي غاب فيها فن
الإبداع واللمسة العراقية على أي قرار إلا بالقدر الضئيل، فأصبحت أكثر
المواضيع يبحث لها عن مشابه في دول خارجية وتؤتى بالمقاسات العراقية لتأخذ
ثم ترسم على حجم ما نحتاج دون الالتفات الى خاصية الطبيعة الاجتماعية
والفارق الطبقي والمعاشي في الوقت الحاضر على اقل تقدير.
قد يرى
البعض إنها ظاهرة طبيعية تنتج عن تقارب الآراء في تجمعات مبسطة وتجميع
لأخرى مختلفة وبالنتيجة يكون المغزى واحد إلا وهو السير نحو التوافق في
العمل السياسي، ولكن هذا بحد ذاته حالة وثقافة خطيرة جدا فيما لو اعتبرت
فيما بعد طريقة لسلوك الديمقراطية في البلد أو التأسيس لحالة من التعامل
الإداري بعد السياسي وهلم جرا في ميادين أخرى.
حيث يشير المرجع
السيد صادق الشيرازي في كتابه (السياسة من واقع الإسلام) (....من الأمور
التي اعتنى بها الإسلام بالغ الاهتمام في تعديله وإصلاحه (الهيئة الحاكمة)
والمراد بها الطبقة الحاكمة للناس من رئيس أو مجالس رئاسية....) ونستمد من
ذلك ما أعطى الواقع العربي والإسلامي من تركيز على حالة الإصلاح في قمة
الهرم كونه الموجه الأساس والقائد المقدم في قيادة الركب والذي بصلاحه
تنتظم أمور الرعية وبخلافه فالعكس لا مفر منه.
والمهم هنا أن نؤشر بعض ما نراه حاجز الصد تجاه تلك الظاهرة :
1-
الإسراع بإقرار القوانين المهمة والتي ترتبط ارتباطا مباشرا بحياة المواطن
وتهيئة الأرضية للحكومة للعمل على مساحة واسعة دون التكبيل بحدود خارج
إطار الدستور.
2- وضع جلسات خاصة لمراجعة شاملة للعمل البرلماني واهم
نقاط الإخفاق التي رافقت عمله وإعادة دراسة النظام الداخلي له، وتكريس
العمل على وضع ضوابط وحدود فاصلة في أسلوب التعامل مع القضايا المهمة
وتقسيمها في أي باب توضع.
3- تقليص استراحة البرلمان العراقي الى
أدنى مراحله لتكثيف الجلسات و إعادة صياغة ثابتة للتعامل مع متطلبات
المرحلة ووضع ثوابت لا يمكن التلاعب فيها او من خلالها، ومشاركته الحكومة
في المهام والأعباء التي تنهض بها.
4- دراسة التجارب التي مر بها البرلمان في القرارات الحاسمة والمشاكل التي نتجت من ذلك وكيفية تلافيها مستقبلا.
5-
بيان النقاط المختلف عليها إعلاميا وكيفية حلها، لإشراك المواطن بصورة
كاملة بالأمور ومجرياتها تلافيا للتشكيك والاتهام المتبادل.