تبنى وزير التعليم العالي والبحث العلمي خطة جريئة للنهضة ومنها العمل على
اعادة الاساتذة المغتربين وتحسين المستوى المعاشي لاساتذة الجامعات وغيرها
حيث تعرض التعليم العالي للتخريب ابان حكم البعث (تم استعراض جانبا من ذلك
في صوت الاهالي 31/5/2005) فانحدرت الى الاسوء الية التعليم من طرق تدريس
واعداد البحوث والاطاريح (الدراسات العليا) والترقيات العلمية واصدار
المجلات العلمية وغيرها واختزل الاستاذ الجامعي واجباته الى المحاضرة!
واستنتساخها في مكاتب الاستنساخ. حدث ذلك بعد ان تم تحديد اختيار الاساتذة
وفق الولاء للحزب والقائد معيارا اساسيا ووحيدا دون الكفاءة العلمية فقاد
العملية التعليمية عناصر وجدت في ولاءها للقائد والحزب حصنا يحميـها من
المنافسة العلمية حيث اضحت بالجامعات في تملق القائد والحزب اساسا
للترقيات العلمية واشغال المناصب العلمية وتم تبرير ذلك في اروقة العلم
بأنه تفضيل لاهل الثقة لا الكفاءة بل واعلنها رجال النظام السابق وقتها
بان اهل الثقة هم البناة وليس اهل الكفاءة ومن الطريف ان اذكر ان احدهم
اعطاني محاضرات في علم البكتريا عندما كنت في السنة الثالثة من كلية الطب
في البصرة ثم محاضرات في المؤتمر القطري الثامن عندما كنت في السنة
السادسة من الكلية وفي الثمانينات وجدته يشرف على رسائل الماجستير في علم
المناعة السريرية! وعندما اكتشفوا انه لا يحمل مؤهلا عاليا (دكتوراة)
وانما دبلوما في الطب البيطري فصلوه ليتعين ملحقا ثقافيا في باريس ولا
زالت اطاريح الاطباء الذين اشرف عليهم تحمل اسمه مشرفا! (قصة معروفة لدى
العديد من اساتذة كلية الطب) وعبرت الدكتورة حياة شرارة في قصة لها (اذا
الايام اغسقت) نُشرت بعد ان اغتالها ازلام نظام صدام مع ابنتها عن ازمة
الجامعة والتعليم العالي وخاصة في الكليات الانسانية. وقد تعطي الامثلة
ادناه صورة عما جرى في كليات الطب فرئيس فرع التشريح يصحح دفتر ابن عبد
حمود امامه رغم سرية الاسماء واستاذ جراحة يضع درجة لاحدهم علقت عليه احد
اعضاء اللجنة الامتحانية بان الاستاذ المعني كان يمتحن نفسه! والمكافاة ان
اصبح رئيسا لفرع في الدراسات العليا واخر تم تعينه استاذا في كلية الطب
بامر من صدام حسن فقد كتب يُعين استاذا ولم يكن يحمل الدكتوراة وانما
شهادة لدورة بسيطة بعد البكالوريوس ومع ذلك حرق مراحل التدرج الى
الاستاذية وطبيبة لا تحمل المؤهل العالي وترفض وزارة التعليم العالي
معادلتها ويتم تعادل الشهادة بعد مقابلتها لصدام فزوجها ضابطا ابان الحرب
العراقية الايرانية واصبحت تشرف على رسائل الماجستير والدكتوراة. وفي
الاشراف على اطاريح الماجستير والدكتوراة اضافوا مشرفين استشاريين ومنهم
من يحمل الماجستير في موضوع ما ولم يكن طبيبا يشرف على رسائل الماجستير
والدكتوراة والبورد للاطباء وفي اختصاصات متعددة وغيره طبيبا يحمل الدبلوم
العالي فقط (سنة تدريبية بعد البكالويوس) يشرف ويمتحن اطباء في دراسات
الماجستير والدكتوراة والبورد (اعلى شهادة في حقل الاختصاص الطبي) من
اختصاصات عدة حيث تخرج العديد من الكوادر التي عملت في قيادة التعليم
العالي والخدمات الطبية (الاسماء لازالت على الاطاريح والاوامر الجامعية
والادارية شاهدا على دور الفكر البعثي في الجامعات!). فضاعت هيبة الشهادة
العلمية وفقد البحث العلمي اهميته واختفى التنافس للترقية والتقدم والحصول
على الالقاب العلمية.
افتتحت العديد من كليات الطب وتم اصدار مجلة او
اكثر لكل كلية ويتم تجميع البحوث للتقيم ونشرها من اجل الترقية العلمية
فقط وعند صدورالعدد يترقى البعض من خلالها ولهذا لم ينتظم اصدار المجلات
العلمية في كلياتنا (الغاية كانت اصدار المجلة للترقية فقط وليس لان
المجلة تعكس واقعا علميا في الكلية من بحث علمي ومتابعة لتراكم المعلومات
والمشاركة العالمية والتنافس) ومراجعة بسيطة لاعداد المجلات والاشهر
والمجلدات تتوضح هذه الظاهرة ولم يتم اعتماد مجلة طبية واحدة من العراق
على كثرتها في الفهارس الطبية التي تشترط انتظام الصدور (وجود الية للبحث
والمتابعة) واعتماد الية موحدة للنشر في المجلة (الاطلاع على الطرق
الحديثة في كتابة وعرض البحث) وقلة في الاخطاء المطبعية واللغوية (متابعة
ومراجعة للبحوث ومسودات الطباعة وغيرها) ورصانة البحوث ودقتها (مستوى علمي
متقدم للبحث كما هو في العالم) وان يكون المقيمين للبحوث من ذوي
الامكانيات العلمية المعروفة ... وغيرها العديد ولرئيس التحرير دورا مهما
في الية نشر البحوث وفي العراق يكون العميد (شذت مجلة كلية طب بغدادعن
القاعدة في عددها الاخير فقط).
في زمن النظام السابق يتم اختيار
العميد بحجم ولاءه وتملقه للقائد وجاءت قوات الاحتلال ببدعة الانتخابات!
وكأن منصب العميد سياسيا بل ان الانتخابات وسيلة غير مطبقة لديهم وجرت
الانتخابات في وضع امني حرج ولم يلتحق معظم الاساتذة وفي ظروف امنية بالغة
التعقيد وازمة مواصلات فبرز عمداء جدد عليهم تسديد فاتورة انتخابهم
لجماعاتهم (مجاميع الضغط) وحدد القائمون على الانتخابات قبول استاذ مساعد
فما فوق ليضمنوا وجود ابحاث منشورة (على الاقل ثلاثة بحوث احداها منفرد)
في حين ان لجان الترقية عطلت العديد ممن لديهم اضعاف هذا العدد بحجج شتى
منها انه نشرها قبل الالتحاق بالجامعة وان كانت في ارقى المجلات العالمية
(تنافس عالمي على الاضاقة العلمية وهي غير طرق النشر المشار اليها في
العراق) التي يعجز العديد من العمداء على النشر فيها ولا يتم احتساب
الخدمة في التعليم العالي خارج القطر بحجة ان عمله لم يكن بموافقة السلطات
وقتها (اشكالية اعتبار الخدمة في التعليم العالي خارج القطر مجزيا
للترقيات عجزت عن دراستها وحلها سلطة الائتلاف والحكومة الانتقالية
والحكومة المنتخبة). انها صورة لما صنع ازلام النظام السابق ممن لم تتلطخ
ايديهم بدماء الشعب ولكن تجاوزوا على حقوق الوطن والكثير من ابناؤه. وكيف
سيتكيف الاساتذة العائدون (رفضت العديد من عمادات كليات الطب عدة طلبات
لعودة هولاء قبل دعوة الوزير الاخيرة لاصلاح التعليم العالي) مع التعليمات
والاليات البالية.
الجمعة مارس 28, 2008 5:56 pm